[center]
نَهَج أغلب الشعراء في قديم العصور وحديثها غرض الغزل في شعرهم ، وذلك بالتغزّل بالنساء الحسان الجميلات ، وكان يأخذهم إلى هذا النهج حُسن الخَلق والخُلُق والدلال .
ويجبرهم على إفراغ مافي النفس من هيامٍ واستهلاك ، نظْم الأبيات التي تصف حسن صفات مارأوا من جمال ، محاولين من ذلك التقليل من خطر الإصابة بأسهم الإفتتان وخطورة سقمها ، يقول جرير :
إنّ العيون التي في طَرْفها حَوَرٌ = قَتَلْنَنا ثمّ لمْ يُحينَ قتلانا
ومن أجمل ماقيل في هذا أيضاً ، قول أحمد بن محمّد بن عبد ربّه(1) :
أتقتُلني ظُلماً وتَجْحدني قَتْلي = وقد قام مِن عَينيك لي شاهدا عَدْل
أطُلاّبَ ذَحْلي ليس بي غيرُ شادنٍ = بعَينيه سِحْر فاطلُبوا عنده ذَحْلي
أغار على قَلبي فلمّا أتيتُه = أطالبه فيه أغار على عَقلي
بنَفسي التي ظَنّت برد سَلامها = ولو سألَتْ قَتلي وَهبتُ لها قَتلي
إذا جئتُها صَدّت حياءً بوَجهها = فتهجُرني هَجراً ألذّ من الوَصْل
ولعلّ العيون هي أول ما يسقط عليه النظر .. وأول وهلةٍ تقف عليها نظرات المُعجب ، إذا كانت جميلة كأعين الظباء ، وفاتنةٍ كعين المها ، أو حتى أجمل من ذلك ، كما يقول بيت الشعر الشعبي :
العيون أحلى من عيون المها = شافها قلبي وصفّق واحتفل(2)
وقد قال بعض حكماء أهل الأدب ، " كمالُ حُسْن المرأة أن تكون أربعة أشياء منها شديدة البياض ، وأربعة أشياء شديدة السواد ، وأربعة أشياء شديدة الحمرة ، وأربعة أشياء مدوّرة ، وأربعة واسعة ، وأربعة ضيقة ، وأربعة رقيقة ، وأربعة عظيمة ، وأربعة صغاراً ، وأربعة طيّبة الريح " ..
فكان بياض العين من الأربعة الشديدة البياض ، والحدقة من الأربعة الشديدة السواد ، والعين من الأربعة المدوّرة ومن الأربعة الواسعة .
وكما كان للشعراء حرية تشبيه أعين الجميلات بأعين الغزلان وغيرها من العيون ، فإنهم يذكرون في قصائدهم صفة أعين المحبوب بقولهم : كحيل العين ، داعج العين ، أرْيَش العين ، ناعس الطرف .. وغيرها من الصفات التي يستخدمها الشاعر كثيراً في وصف حسن المرأة وجمال عينيها .. وقد يفوق وصف بعض الشعراء تلك الأوصاف بالتشبيه الخيالي الواسع كما يقول ذي الوزارتين ابن الحكيم :
مازلت أسمع عن عيناكِ كل سناً = أبهى من الشمس أو أجلى من القمرِ
حتى رأى بصري فوق الذي سمِعَتْ = أذني فوفق بين السمع والبصرِ
أو قول بدر شاكر السيّاب :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعة السحر = أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
وقد يصيب سحر العيون وجمالها الخلاّب السكر والسقم للناظرين ، فقد كان يقال في وصف المرأة : "كأنّ عينيها السُقم لمن رآها" ، وقد يُضعف سحر العيون في بعض الأحيان من شدّة وقوّة الرجل حينما يفتتن بها ، وفي ذلك يقول محمد بن الحسين الكاتب :
هيهات خامرني خمر العُيُون كما = تُخامر الخمر عقل الشارب الثمِل
إنّ العيون نَفَثْن السّحر في عُقَدي = سحراً يُوهّنُ كيدَ الفاتك البطل
في البيض والسود لي يا عاذلي شُغُل = بيض الوجوه وسود الأعيُن النُّجُل
ومما يزيد في جمال العين ، إتساعها وشدّة بياضها مع شدّة سواد الحدقة ، وكثافة الرمش وشدّة سواده مع طوله ، يقول بيت الشعر الشعبي :
راعي العيون الناعسة رمشها فيّ = لا سلهمت بان الهوى من حنينه(3)
_________________
(1) وهو أحمد بن محمد بن عبد ربّه ، المعروف بابن عبد ربّه الأندلسي صاحب "العقد الفريد" .
(2) البيت للأمير الشاعر خالد الفيصل .
(3) البيت للأمير الشاعر خالد الفيصل .
منقول
ولاتنسو التقييمات